فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {لِيُحِقَّ} فيه وجهان:
أحدهما: أنَّه متعلقٌ بما قبله، أي: ويقطع ليحق الحقَّ، والثاني: أن يتعلَّق، بمحذوفٍ تقديره: ليحقَّ الحقَّ فعل ذلك، أي: ما فعله إلاَّ لهما، وهو إثباتُ الإسلامِ وإظهاره وزوالُ الكُفْرِ ومحقه.
قال الزمخشريُّ: ويجب أن يُقدَّر المحذوفُ مؤخرًا ليفيد الاختصاص وينطبق عليه المعنى.
وهذا على رأيه، وهو الصحيحُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}
ليحق الحقَّ بالتوفيق فيما يحصل ببذل المجهود، والتحقيق لما يظهر من عين الجود.
ويقال لِيُحِقَّ الحقّ بنشر أعلام الوصل، ويُبْطِلَ الباطلَ بقهر أقسام الهزل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (9):

قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{إذ} ظرف {ليحق الحق} {تستغيثون ربكم} أي تطلبون إغاثة المحسن إليكم، وهو بدل من {إذ يعدكم} فهو من البيان لكراهتهم لقاء ذات الشوكة بشدة جزعهم الموجب لهم الاستغاثة مع إسفار العاقبة عن أن الخير فيما كرهوه، وأنه أحق الحق وأظهر الدين وأوهن أمر المشركين.
ولما أسرع سبحانه الإجابة، دل على ذلك بقوله: {فاستجاب} أي فأوجد الإجابة إيجاد من هو طالب لها شديد الرغبة فيها {لكم} بغاية ما تريدون تثبيتًا لقلوبكم {أني} أي بأني {ممدكم} أي موجد المدد {لكم} أي بإمدادكم، ولعله حول العبارة لما في التصريح بضميره من العظمة والبركة {بألف من الملائكة} حال كونهم {مردفين} أي متبعين بأمثالهم. اهـ.

.قال الفخر:

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أنه يحق الحق ويبطل الباطل، بين أنه تعالى نصرهم عند الاستغاثة، وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: [العامل في {إِذْ}]:

يجوز أن يكون العامل في {إِذْ} هو قوله: {وَيُبْطِلَ الباطل} فتكون الآية متصلة بما قبلها، ويجوز أن تكون الآية مستأنفة على تقدير واذكروا إذ تستغيثون.

.المسألة الثانية: في قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ} قولان:

القول الأول: أن هذه الاستغاثة كانت من الرسول عليه السلام.
قال ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيف، استقبل القبلة ومد يده وهو يقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» ولم يزل كذلك حتى سقط رداؤه ورده أبو بكر ثم التزمه ثم قال: كفاك يا نبي الله مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فنزلت هذه الآية ولما اصطفت القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره ورفع رسول الله يده بالدعاء المذكور.
القول الثاني: أن هذه الاستغاثة كانت من جماعة المؤمنين لأن الوجه الذي لأجله أقدم الرسول على الاستغاثة كان حاصلًا فيهم، بل خوفهم كان أشد من خوف الرسول، فالأقرب أنه دعا عليه السلام وتضرع على ما روي، والقوم كانوا يؤمنون على دعائه تابعين له في الدعاء في أنفسهم فنقل دعاء رسول الله لأنه رفع بذلك الدعاء صوته، ولم ينقل دعاء القوم، فهذا هو طريق الجمع بين الروايات المختلفة في هذا الباب.

.المسألة الثالثة: قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ}:

أي تطلبون الإغاثة يقول الواقع في بلية أغثني أي فرج عني.
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم الاستغاثة بين أنه تعالى إجابهم.
وقال: {أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الملئكة مُرْدِفِينَ} وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: قوله: {أَنّي مُمِدُّكُمْ}:

أصله بأني ممدكم، فحذف الجار وسلط عليه استجاب، فنصب محله، وعن أبي عمرو: أنه قرأ {أَنّي مُمِدُّكُمْ} بالكسر على إرادة القول أو على إجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من القول.

.المسألة الثانية: [في قراءة {مُرْدِفِينَ}]:

قرأ نافع وأبو بكر عن عاصم {مُرْدِفِينَ} بفتح الدال والباقون بكسرها.
قال الفراء: {مُرْدِفِينَ} أي متتابعين يأتي بعضهم في أثر بعض كالقوم الذين أردفوا على الدواب و{مُرْدِفِينَ} أي فعل بهم ذلك، ومعناه أنه تعالى أردف المسلمين وأيدهم بهم.

.المسألة الثالثة: [هل الملائكة قاتلوا يوم بدر؟]:

اختلفوا في أن الملائكة هل قاتلوا يوم بدر؟ فقال قوم نزل جبريل عليه السلام في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة، وفيها علي بن أبي طالب في صورة الرجال عليهم ثيابهم بيض وقاتلوا.
وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ويوم حنين، وعن أبي جهل أنه قال لابن مسعود: من أين كان الصوت الذي كنا نسمع ولا نرى شخصًا قال هو من الملائكة فقال أبو جهل: هم غلبونا لا أنتم، وروى أن رجلًا من المسلمين بينما هو يشتد في أثر رجل من المشركين إذ سمع صوت ضربة بالصوت فوقه فنظر إلى المشرك وقد خر مستلقيًا وقد شق وجهه فحدث الأنصاري رسول الله فقال صدقت.
ذاك من مدد السماء، وقال آخرون: لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك الدنيا كلها فإن جبريل أهلك بريشة من جناحه مدائن قوم لوط وأهلك بلاد ثمود وقوم صالح بصيحة واحدة، والكلام في كيفية هذا الإمداد مذكور في سورة آل عمران بالاستقصاء والذي يدل على صحة أن الملائكة ما نزلوا للقتال قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى}. اهـ.

.قال السمرقندي:

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى كثرة المشركين، علم أنه لا قوة لهم إلا بالله، فدعا ربه فقال: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي النَّصْرَ، وإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ المِيعَادَ».
فاستجاب له ربه ونزل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} يقول: واذكروا إذ تسألون ربكم وتدعونه يوم بدر بالنصرة على عدوكم.
{فاستجاب لَكُمْ}، يعني فأجابكم ربكم: {أَنّي مُمِدُّكُمْ}، يعني أزيدكم {بِأَلْفٍ مّنَ الملئكة مُرْدِفِينَ}، يعني متتابعين بعضهم على أثر بعض.
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر {مُرْدِفِينَ} بالنصب، وقرأ الباقون بالكسر؛ وكلاهما يرجع إلى معنى واحد وهو التتابع.
وقال عكرمة: أمدهم يوم بدر بألف من الملائكة، وعددهم ثلاثة آلاف من الملائكة لغزوة بعده بدعائه وزاده ألفين فذلك خمسة آلاف من الملائكة ويقال هذا كله كان يوم بدر. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} أي تستجيرون به من عدّوكم وتسألونه النصر عليهم، قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: لمّا كان يوم بدر ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كثرة المشركين وقلّة المسلمين دخل العرش هو وأبو بكر واستقبل القبلة وجعل يدعو ويقول: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، فلم يزل كذلك حتّى سقط رداؤه وأخذ أبو بكر رداءه وألقاه على منكبيه ثمّ التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفى مناشدتك ربّك فإن الله سينجز لك ما وعدك {فاستجاب لَكُمْ أَنِّي} أي بأنّي. وقرأ عيسى: إنّي بكسر الألف وقال إنّي {مُمِدُّكُمْ} وزائدكم ومرسل إليكم مددًا {بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ} قرأ أهل المدينة: مردفين بفتح الدال والباقون بكسره، لغتان متتابعين بعضهم في أثر بعض يقال: اردفه وردَفته بمعنى تبعته قال الشاعر:
إذا الجوزاء أردفت الثريّا ** ظننت بآل فاطمة الظنونا

أراد ردفت جاءت بعدها، لأن الجوزاء تطلع بعد الثريا ومن فتح فعلى المفعول، أي أردف الله المسلمين وجاءهم به فأمدّهم الله بالملائكة ونزل جبرئيل في خمسمائة مَلكَ مجنبة على الميمنة فيها أبو بكر رضي الله عنه ونزل ميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها عليّ كرّم الله وجهه وهم في صورة الرجال عليهم ثياب بيض، وعمائم بيض أرخوا ما بين أكتافهم، فقاتلت الملائكة يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ولا يوم حنين ولا تقاتل أبدًا إنّما يكونون حددًا أو مددًا.
وقال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يشتدّ في أثر رجل من المشركين إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت لفارس يقول قدم حيزوم ونظر إلى المشرك أمامه خرّ مسلتقيًا، فنظر إليه فإذا هو قد حُطم وشُق وجهه كضربة السوط فجاء الرجل فحدّث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقت ذلك من مدد السماء» فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
قال مجاهد: ما مُدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما ذكر الله تعالى غير الألف من الملائكة {مُرْدِفِينَ} التي ذكر الله في الأنفال وأمّا الثلاثة والخمسة فكانت بُشرى. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}
فيه وجهان:
أحدهما: تستنصرون.
الثاني: تستجيرون.
والفرق بين المستنصر والمستجير أن المستنصر: طالب الظفر، والمستجير: طالب الخلاص.
والفرق بين المستغيث والمستعين أن المستغيث: المسلوب القدرة، والمستعين الضعيف القدرة.
{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} أي فأعانكم.
والفرق بين الاستجابة والإجابة أن الإجابة ما لم يتقدمها امتناع.
{أَنِّي مُمِدُّكُم بَأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مع كل ملك ملك، وهو قول ابن عباس فتكون الألف ألفين. قال الشاعر:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ** ظننت بآل فاطمة الظنونا

الثاني: معناه متتابعين، قاله السدي، وقتادة.
الثالث: معنى مردفين أي ممدّين، والإرداف إمداد المسلمين بهم، قاله مجاهد. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {إذ تستغيثون ربكم} الآية، {إذ} متعلقة بفعل، تقديره واذكر إذ وهو الفعل الأول الذي عمل في قوله: {وإذ يعدكم} [الأنفال الآية: 7] وقال الطبري: هي متعلقة بـ {يحق... ويبطل}.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يعمل فيها {يعدكم} [الأنفال: 7] فإن الوعد كان في وقت الاستغاثة، وقرأ أبو عمرو بإدغام الذال في التاء واستحسنها أبو حاتم، و{تستغيثون} معناه تطلبون، وليس يبين من ألفاظ هذه الآية أن المؤمنين علموا قبل القتال بكون الملائكة معهم، فإن استجاب يمكن أن يقع في غيبه تعالى، وقد روي أنهم علموا ذلك قبل القتال، ومعنى التأنيس وتقوية القلوب يقتضي ذلك، وقرأ جمهور الناس {أني} بفتح الألف، وقرأ أبو عمرو في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر بخلاف عنه {إني} بكسر الألف أي قال إني، و{ممدكم} أي مكثركم ومقويكم من أمددت. وقرأ جمهور الناس {بألف} وقرأ عاصم الجحدري {بئألف} على مثل فلس وأفلس فهي جمع ألف، والإشارة بها إلى الآلاف المذكورة في آل عمران، وقرأ عاصم الجحدري أيضًا {بآلاف} و{مردفين} معناه متبعين، ويحتمل أن يراد المردفين المؤمنين أي أردفوا بالملائكة ف {مردفين} على هذا حال من الضمير في قوله: {ممدكم} ويحتمل أن يراد به الملائكة أي أردف بعضهم بعض غير نافع {مردِفين} بكسر الدال وهي قراءة الحسن ومجاهد والمعنى فيها تابع بعضهم بعضًا وروي عن ابن عباس خلف كل ملك ملك، وهذا معنى التتابع يقال ردف وأردف إذا أتبع وجاء بعد الشيء، ويحتمل أن يراد مردفين المؤمنين.
ويحتمل أن يراد مردفين بعضهم بعضًا، ومن قال: {مردفين} بمعنى أن كل ملك أردف ملكًا وراءه فقول ضعيف لم يأت بمقتضاه رواية، وقرأ رجل من أهل مكة رواه عنه الخليل {مرَدِّفين} بفتح الراء وكسر الدال وشدها.
وروي عن الخليل أنها بضم الراء كالتي قبلها وفي غير ذلك، وقرأ بعض الناس بكسر الراء مثلهما في غير ذلك، حكى ذلك أبو عمرو عن سيبويه، وحكاه أبو حاتم قال: كأنه أراد مرتدفين فأدغم وأتبع الحركة ويحسن مع هذه القر اءة كسر الميم ولا أحفظه قراءة، وأنشد الطبري شاهدًا على أن أردف بمعنى جاء تابعًا قول الشاعر خزيمة بن مالك: [الوافر]
إذا الجوزاءُ أردَفَتِ الثُّرَيَّا ** ظَنَنْتُ بآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونا

والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر، واختلف في غيره من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: لم تقاتل يوم بدر وإنما وقفت وحضرت وهذا ضعيف، وحكى الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: نزل جبريل في ألف ملك على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف ملك في المسيرة وأنا فيها، وقال ابن عباس: كانا في خمسمائة خمسمائة، وقال الزجّاج: قال بعضهم: إن الملائكة خمسة آلاف، وقال بعضهم: تسعة آلاف، وفي هذا المعنى أحاديث هي مستوعبة في كتاب السير. اهـ.